مصر فى ثورة

مصر فى ثورة

الجمعة، ١٣ يونيو ٢٠٠٨

نظرية الخيارات المفتوحة .. حماس نموذجاً
بقلم : ابن المبارك

أستطيع القول إن نظرية الخيارات المفتوحة هي الوجه الآخر من نظرية التخطيط الاستراتيجي وتعريفها البسيط هو العمل في كل المسارات من خلال كافة التوقعات دون وضع حدود في التفكير أو العوائق , وخصائص هذه النظرية أتناولها من خلال نموذج واقعي وهو حماس , وبالتحديد من خلال تعاملها مع الأزمة الأخيرة في غزة .ـ

بمجرد ورود معلومات لحماس عن محاولات ( دحلان ـ دايتون ) لاستئصال حماس من القطاع والتي ذكرها هنية في خطابه الموجه إلى عباس (من باب سد الذرائع) والذي نصه : ـ

" نهديكم أطيب التحيات, ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.. لقد توافرت لنا بعض المعلومات في الآونة الأخيرة, تشير إلى خطةٍ أمنيةٍ تهدف إلى الانقلاب على الحكومة والخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، ويمكن إيجاز هذه المعلومات في النقاط التالية :ـ
- إدخال كميات ضخمة جدًّا من السلاح لصالح حرس الرئاسة, من بعض الجهات الخارجية, بمعرفة ومباركة من أمريكا وإسرائيل. ـ
- تشكيل قوات خاصة من الأمن الوطني تُقدَّر بالآلاف لمواجهة الحكومة الفلسطينية والقوة التنفيذية واعتماد "مقر أنصار في غزة" مقرًا مركزيًّا لها. ـ
- تجهيز هذه القوات بالسيارات والدروع والسلاح والذخيرة وصرف الرواتب كاملةً للموالين .ـ
- تعقد اجتماعات أمنية حساسة لعددٍ من ضباط الأمن الفلسطيني في مقر السفارة الأمريكية حيث تناقش فيها خطط العمل .ـ،
- البدء بإجراءات إقالة لعددٍ من الضباط واستبدالهم بشخصياتٍ أخرى, مع العلم أن لجنة الضباط هي المختصة بهذه الشئون, كذلك تعيين النائب محمد دحلان من طرفكم شفهياً كقائد عام للأجهزة الأمنية, وفي ذلك مخالفة قانونية .ـ
- تهديد الوزراء ورؤساء البلديات بالقتل؛ حيث تم الاعتداء على الوزير وصفي قبها وزير الأسرى, وإعلامه عبر مرافقه أن الاعتداء القادم سيقتله، وكذلك تمَّ تكليف أحد مليارديري فتح من غزة بتصفية الوزير عبد الرحمن زيدان- وزير الأشغال والإسكان مقابل 30 ألف دولار.ـ

الأخ الرئيس : بناءً على ما سبق وغيره الكثير من المعلومات التي نمتلكها , فإننا نُعبِّر عن بالغ أسفنا إزاء ما ورد؛ حيث إن ذلك يهدد النظام السياسي الفلسطيني, والنسيج الوطني والاجتماعي ويُعرِّض القضية برمتها للخطر.. نرجو منكم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لحمايةِ شعبنا وقضيتنا, ونحن سنظل أوفياء وحريصين على وحدة الشعب ولحمته، واقبلوا وافر التحية "
ــ

و من المعلومات التي لم يذكرها هنية لعباس وهو بالتأكيد يعرفها أن دحلان اختار 15 ألف عنصر من الموالين لتشكيل قوة خاصة في الأمن الوطني لمواجهة حماس و أدخل 150 سيارة جيب مزودة بأجهزة الاتصال اللاسلكي , بالإضافة إلى توفير 2000 مدفع كلاشنكوف، إضافةً إلى ثلاثة ملايين رصاصة وتوفير الملابس الخاصة والدروع للقوة الجديدة- وإعادة بناء كافة الأجهزة الأمنية وإقالة 15 من قادتها واستبدالهم بآخرين موالين- وإقالة 185 من ضباط الأمن الوطني لتنقية صفوف الجهاز من غير الموثوق في موالاتهم .ـ

بمجرد ورود تلك المعلومات, بدأت حماس بتطبيق نظرية الخيارات المفتوحة معتمدة على خطة استراتيجية طويلة المدى (خطة الحسم ) تكاد تتعجب منها .. فالخطة قسمت إلى ثلاث محاور : ـ

المحور الأول : مرحلة المخابراتية : بتجميع أكبر قدر من المعلومات عن مخطط دايتون ـ دحلان الانقلابي .
المحور الثاني : مرحلة الإعداد , لإفشال المخطط .ـ
المحور الثالث : ما بعد الحسم : وهى أصعب مرحلة في التعامل مع الموقف وهى مستمرة حتى الآن .ـ

لاشك أن الأمر استغرق الكثير من الوقت من قادة حماس في التفكير في الأزمة لكن من خصائص نظرية الخيارات المفتوحة التوازي لا التوالي بين التنفيذ والتخطيط , فأثناء التفكير والتخطيط في المحور الثاني , كانت كتائب القسام تتدرب على حرب الشوارع والعصابات ومهاجمة المنشآت , بالإضافة إلى إعادة تقسيم شوارع غزة عسكرياً بما يسهل عملية التنقل وتبادل المواقع وفى نفس الوقت أيضاً كانت مجموعات ( مكافحة الإرهاب ) التابعة للقسام والمنوطة بحرب الأنفاق , تحفر أنفاقاً تحت أرض غزة طولاً وعرضاً وخاصة تحت منشآت الأجهزة الأمنية التابعة لدحلان والمسماة بالتنفيذية (استغرق حفر أحد الأنفاق ستة أشهر وبالفعل تم نسف أحد المباني الأمنية عن طريقه ) .ـ
ولم يكن الحسم العسكري الخيار الأوحد لدى حماس لمعالجة مخطط الإطاحة , فما الرسالة التي أرسلها هنية إلى عباس إلا خيارا آخر سموه الخيار السياسي ـ

أما مرحلة ما بعد الحسم فقد كانت أصعب المراحل تفكيراً وتنفيذاً .. إذ أن المعلومات الأولية لدى حماس تقول أن الحسم العسكري لإفشال مخطط ( دايتون ـ دحلان ) لا شك لن يمر سهلا ولا برداً على قلوب الصهاينة والأمريكان فضلاً عن عباس ودحلان وفتح عموماً , فالمتوقع على الأقل في حينها هو الآتي :ـ

1. حل حكومة الوحدة, وإعلان حالة الطوارئ؛ لنزع الشرعية عن كلِّ مؤسسات الحكم التي تُسيطر عليها حماس حاليًا في قطاع غزة .ـ
2. فصل غزة عن الضفة الغربية والتعامل مع القطاع كمشكلةٍ منفردة, ودراسة إرسال قوات دولية إلى القطاع.
3. تحسين ظروف الأهالي في الضفة لكي يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة بأن أوضاعهم لم تزدد إلا سوءًا في ظل سيطرة حركة حماس على القطاع, الأمر الذي يزيد من فرصة تململ الجمهور الفلسطيني في القطاع ضد حماس, وبالتالي التمرد عليها. ـ
4. شن حملات اعتقال ضد أعضاء حماس في الضفة الغربية , من أجل ضمان عدم نقل ما جرى في القطاع إلى الضفة.ـ

هذا بالإضافة إلى توقع مقاومة عنيفة من العناصر الأمنية التابعة لدحلان أثناء الحسم ( وهو ما لم يحدث ) ..ـ

إذا حدث ما سبق ( ولقد حدث ) فان حماس أمام أزمة جديدة لابد من علاجها.. أزمة اقتصادية بحتة للقطاع , وهجوم سياسي خارجي من العالم تقف وراءه إسرائيل وبعض الدول العربية التي تخشى تزايد نفوذ الإخوان المسلمين في المنطقة .ـ

منذ اليوم الأول لقرار الحسم ـ والذي سبق التنفيذ الفعلي بعدة أسابيع ـ كانت حماس قد كثفت من مطالباتها بالدعم المادي من كل الجهات وخاصة من إخوان مصر وسوريا والأردن على المستوى الشعبي , ومن بعض الحكومات والجامعة العربية على المستوى الرسمي ـ في محاولة لتخزين مواد غذائية ووقود ومرتبات للموظفين تكفى مرحلة معينة بعد الحسم انتظاراً لرد الفعل على هذا الحسم .ـ
على جانب السياسي كثفت حماس من ترسيخ اتفاقية مكة المكرمة في أرض الواقع ومحاولة تفويت الفرصة لإسقاط الاتفاقية والتي قام بها دحلان عبر أجهزته الأمنية .ـ

بعد عملية الحسم العسكري وسيطرة حماس على القطاع أصبح لدى حماس فجأة ـ باعترافهم أنفسهم ـ كنزًا استخباراتياً لا مثيل له خلفته ورائها أجهزة الأمن التابعة لدحلان وأجهزة المخابرات التابعة لعباس والتي كانت تتركز مكاتبها في أنحاء متفرقة من القطاع .. آلاف الوثائق والمستندات والمراسلات التي كشفت عن أسرار كثيرة لحماس حول طبيعة المخطط الدحلانى وكانت ـ هذه الأسرار ـ بمثابة وثيقة تأييد لقادة حماس ودعماً معنوياً بأن قرارهم جاء في الوقت والمكان الصحيحين وانتصاراً لنظرية الخيارات المفتوحة .ـ

من خصائص نظرية الخيارات المفتوحة عدم الكشف عن هذه الخيارات أو أياً من نتائجها , وهو ما انتهجته حماس حتى الآن فلم تكشف عن 1% من المعلومات التي تمتلكها .. لماذا ؟ لأن هذه المعلومات هي وقود مرحلة مستقبلية شديدة الحساسية تعمل وتخطط لها حماس من الآن في إطار نظرية الخيارات المفتوحة .ـ

بدء التعامل مع الواقع في غزة بعد الحسم من خلال نفس النظرية , فأثناء ما تقوم به حماس من إفهام العالم بما جرى في غزة وكسب تأييد الشعوب بالإضافة إلى جلب الدعم المادي للقطاع أثناء الحصار الاقتصادي الخانق , أثناء ذلك كله كانت حماس (ومازالت) تحاول الاستغناء عن الوقود الاسرائيلى بتصنيع الوقود ( الغاز الطبيعيch4 ومشتقاته ) من ( روث الحيوانات ) .. بالإضافة إلى التقليل من استخدام الوقود في الحياة العامة وإيجاد بدائل له وآخرها تحويل السيارات إلى العمل بالكهرباء بدلاً من البنزين .ـ

وفى محور خاص .. كانت حماس تضع خيار كسر الحصار بالقوة أمامها عن طريق كسر المعابر سواء مع مصر (وهو ما تم) , أو مع إسرائيل وهو ما سيتم قريباً (يسمون هذه الخطة بالانفجار) .. فحماس خططت مثلاً لاقتحام معبر رفح المصري بغطاء شعبي قبلها بأربعة أشهر على الأقل إذ يحكى أحد جنود القسام أنه كان يخرج يومياً بتكليف عسكري هو وزملائه ليلاً لقص الشريط الحدودي الشائك عند رفح سراً قبل الاقتحام بعدة أشهر ولم يكن يدرى حينها لماذا يفعل ذلك .ـ

على جانب آخر لا يقل أهمية وفى نفس الوقت التي تفعل فيه ما سبق كانت حماس تعمل على تطوير قدراتها العسكرية للمضي قدماً نحو مخطط الاستقلال ومقاومة الاحتلال الصهيوني .. آخرها تطوير مضادات للطائرات وزيادة مدى الصواريخ مع زيادة قدرته التفجيرية بالإضافة إلى بدء التفكير في صناعة طائرات بدون طيار ( وهو الموضوع الذي أثير من فترة في مصر وتم اعتقال أفراد من الإخوان بتهمة مساعدة حماس في ذلك ) . كل هذا غير كميات الأسلحة التي من المتوقع أن تكون حماس قد أدخلتها أثناء فتح المعبر .ـ

ماذا بعد ؟؟ السؤال الأكثر إلحاحا الآن .. حماس أجابت عنه منذ اليوم الأول بعد الحسم : لا بديل عن الحوار الداخلي لتجاوز الأزمة الحالية (راجع حوارات الأستاذ هنية كلها ) , لم يكن أحداً يصدق ذلك , حوار .. كيف, ولماذا , ومتى ؟! .. إلا أنهم لا يدركون خصائص تلك النظرية التي تعمل بها حماس . فالآن عباس هو من يسعى للحوار بلا شروط بعد شهور عديدة من الرفض النابع عن الاستكبار تارة أو الضغط الاسرائيلى تارة أخرى , وهو ما رحبت به حماس وتعمل لإنجاحه ليس حباً في عباس أو طمعاً في مكاسب سياسية نفوذية ولكن للبدء في تطبيق أهم مراحل نظرية الخيارات المفتوحة على الإطلاق .. مرحلة " الطريق إلى تل أبيب " لاستعادة فلسطين كاملة وهو الحلم الذي بدأت حماس في تطبيقه منذ عشرون عاماً .ـ

هناك ٤ تعليقات:

belal يقول...

أتفق معك أخي في كل المقال القيم
لكن أختلف معك في النقطة الأخيرة
فعباس لم يرد التحاور مع حماس
إلا للضغط على المتفاوض الإسرائيلي
لإعطائه المزيد من الفتات ليملأ به دولته (علبة السردين)
..

م محمد الدستاوي يقول...

أنا طبعا لازم أتفق معاك


أخوك / محمد الدستاوي

http://engeldestawy.blogspot.com/

اوعى تفكر يقول...

لقد اذهلتنا حماس بقدرتنا الاستخباراتيه والسياسيه والعسكريه والتنظيميه
فى الاونه الاخيره والتى لم تقدر امريكا او
الصهاينه على اختراقها
عباس خائن وعميل لا يود التفاوض ولا السلام
بس هى حركات بسبب ضغوطات داخليه وخارجيه

أنفاس الصباح يقول...

قراءة متفائلة للاحداث
لايهم ان نعرف مصادر معلوماتك عن الطائرة بدون طيار من اين حصلت عليها ،
ولكن المهم ان تكون صحيحة .
اتفق مع الاخ يلال فى دوافع عباس للحوار
وان كنت ارى ان توظيف ذلك لصالح قضيتها العادلة لن يتأثر بدوافعه اوغيره .