استطاع اوباما في خلال شهور قليلة كسب جمهور عريض من العرب والمسلمين إلى صفه في موجة تفاؤل غير حذر باعثها الخطابات التوافقية العاطفية له والتي تجد رواجاً في بلادنا
من مصر .. كان خطابه إلى المسلمين استمراراً لحالة الإسهال العاطفي والمسكنات المريحة والتي للأسف تتماشى مع طبيعة شعبنا الطيب الذي يقيس السياسة بقلبه لا بعقله , وينعم في نعمة النسيان بكل يسر
شيء عجيب حقاً .. أن ننسى بكل بساطة وسذاجة تاريخ كامل من العناء والألم من أجل خطاب واحد استخدم فيه اوباما لغة وجدانية صريحة , عدد فيها انجازات الإسلام والمسلمين وأفضالهم على بلده أمريكا فقال مثلاً " منذ عصر تأسيس بلدنا أسهم المسلمون الأمريكان في إثراء الولايات المتحدة , لقد قاتلوا في حروبنا , وخدموا في المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسوا المؤسسات التجارية وتفوقوا في الألعاب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعاً وأشعلوا الشعلة الاولمبية و.. و... و... الخ " ـ
نحن إذا شعب عاطفي خرج من رحمه شيخ الأزهر بعد الخطاب مباشرة يتحفنا قائلاً : خطاب اوباما (مس) وجدان المسلمين "
شعب عاطفي انفعل مثقفوه وفنانوه قبل عوامه مع كاريزما اوباما وخطابه الناعم جعلت أحد الممثلين السينمائيين يهتف له أثناء الخطاب I love you Obama ـ
شعب عاطفي يحكم على الشيء بالسماع لا بالمشاهدة فنرى أحد مشايخه في حرب لبنان يصرخ ويولول من أجل جرائم الشيعة فى حق أهل السنة مع أنه لم ولن يراها بعينيه ثم يتغافل عن جرائم إسرائيل (على الهواء مباشرة ) في حق الفلسطينيين ولم تهتز له شعرة جرائها
هو نفس الشعب العاطفي الذي صفق وهلل لأردوغان مطالباً له بتحرير القدس بعد موقفه الرائع ضد بيريز في مؤتمر دافوس , في حين أنه بعدها بـ 48 ساعة فقط كانت تركيا قد وقعت صفقة طائرات حديثة مع إسرائيل , وقلت في وقتها في مقالي ( تركيا الواقع والأحلام ) أننا لابد أن نفرق بين مواقف الشخص ونيته وبين سلوك الدولة والتزاماتها وسياستها التي لا تخضع للشخصنة ( سوى في عالمنا العربي بالتأكيد ) ـ
وهو نفس الشعب الذي راجت به عاطفة التفاؤل إلى درجة أن يقول أحد اكبر مفكري المسلمين وعلماؤهم الأستاذ محمد أحمد الراشد أن طبيعة أوباما السوداء سوف تجعله أكثر حرصاً على تحقيق العدل والحرية و.. الخ
هذا هو الشعب العاطفي الذي يعيش في الأوهام , أما الذين يعيشون في الميدان فلهم رأى آخر , كما صرح الأستاذ فوزي البرهوم المتحدث باسم حماس قائلاً " خطاب اوباما دغدغة عاطفية مملوءة بالمجاملات " ـ
لغة الإقناع الاوبامية
وأما أوباما نفسه فهو شخص متمكن يجيد التحدث وذو كاريزما جذابة يوزع ابتساماته على الجميع بكل تواضع .. تحدث إلى المسلمين بلغتهم واستشهد بالقرآن ثلاث مرات صراحة .. الأولى " اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً " , والثانية " من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً " , والثالثة " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " ـ
ثم تحدث بعبارات مقنعة تعلمناها من أساتذة التنمية البشرية فقال " اننى أقوم بذلك إدراكا منى بأن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها ,. ولا يمكن لخطاب واحد أن يلغى سنوات من عدم الثقة كما لا يمكنني أن أقدم الإجابة عن جميع المسائل المعقدة , غير أنني على يقين من أنه يجب علينا من أحل المضي قدماً أن نعبر بصراحة عما في قلوبنا وعما ما لا يقال إلا من وراء الأبواب المغلقة " ـ
ثم قال " وبغض النظر عن أفكارنا حول أحداث الماضي فلا يجب أن نصبح أبداُ سجناء لأحداث الماضي إنما يجب أن نحقق التقدم بصيغة مشتركة وأن نعالج مشكلاتنا بواسطة الشراكة " ـ
وأضاف في موضع آخر " وهناك للقاعدة من ينتسبون لها في عدة بلدان , وممن يسعون إلى توسعة نطاق أنشطتهم , وما أقوله ليس بآراء قابلة للنقاش وإنما هي حقائق يجب معالجتها " ـ
ثم يزيد " في الحقيقة إننا نستذكر كلمات أحد كبار رؤسائنا توماس جيفرسون الذي قال : اننى أتمنى أن تنموا حكمتنا بقدر ما تنموا قوتنا , وان تعلمنا هذه الحكمة درساً مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل استخدامها " ـ
وفى مكان آخر بالخطاب أضاف " يدرك كثير من المسلمين في قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تختفي وبالمثل يدرك الكثيرون من الإسرائيليين أن قيام دولة فلسطينية أمر ضروري , لقد آن الأوان للقيام بعمل يعتمد على الحقيقة التي يدركها الجميع " ـ
وأخيراً قال في نهاية خطابه " إن الفترة الزمنية التي نعيش فيها جميعاً مع بعضنا البعض في هذا العالم فترة قصيرة , والسؤال المطروح علينا هو هل سنركز اهتماماتنا خلال هذه الفترة على الأمور التي ستفرق بيننا أم سنلتزم بجهود مستدامة للوصول إلى موقف مشترك وتركيز اهتمامنا على المستقبل الذي نسعى إليه من أجل أبنائنا واحترام كرامة جميع البشر " ـ
السم في العسل
على جانب آخر من الخطاب .. لم ينس اوباما أن يبث سموماً في العسل المصفى , وهى أشياء بلعها المستمعون بإرادتهم بكل لطف ورضا دون أدنى استهجان , وكان أول ما قاله اوباما " إن متانة الأواصر الرابطة بين أمريكا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبداً وهى تستند إلى علاقات تاريخية وثقافية , وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هو رغبة متأصلة في تاريخ مأسوي لا يمكن لأحد نفيه " ـ ثم كان ثانيها " وينطوي هذا التاريخ على حقيقة بسيطة إلا وهى أن طريق العنف طريق مسدود وان إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أم عن القوة , ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوي عن طريق مثل هذه الأعمال , إذا يؤدى هذا الأسلوب إلى التنازل عن هذه السلطة " ـ
ثم يختم سمومه قائلاً " إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية من يتحدثون عن إلقاء إسرائيل في البحر " , بالتأكيد يقصد نجاد
المفارقة المدهشة هي أن رد الفعل الاسرائيلى من معظم محلليهم كان قاسياً لمجرد انه قال " كما أننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية " .. أشعر بالخزي والعار وأنا أرى اليهود لا يتنازلون عن مبادئهم في حين أننا تنازلنا وتناسينا كل شيء من أجل ذكر اوباما آيتين من القرآن يحفظ فيهما منذ شهرين
وظني ـ وبعض الظن إثم ـ أن هناك من المسلمين من تعاطف مع هجوم اوباما ضد حماس " التي تقتل الأطفال والنساء المسنات بالصواريخ " ـ
ولم يبق من كرامتنا تجاه خطاب اوباما سوى موقفين رائعين : ـ
أولهما : موقف المفكر الاسلامى الكبير فهمي هويدى الذي انسحب من المؤتمر الصحفي الخاص مع اوباما بسبب وجود صحفي اسرائيلى , وبين هويدى موقفه بوضوح في مقاله " مسألة ضمير " ـ
وثانيهما : بيان جماعة الإخوان المسلمين الرائع رداً على خطاب اوباما والذي فند فيه أكاذيبه رافضاً أي محاولة كلامية لتجميل صورة أمريكا
نصائح اوباما لمبارك
لا أدرى لماذا أغفلنا هذا الجزء وأسقطناه من تحليلاتنا في حين انه يحمل إشارات ضمنية مهمة , إذ قال اوباما " إن قمع الأفكار لا ينجح أبداً في القضاء عليها , إن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آراؤهم بأسلوب سلمى يراعى القانون حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم " ـ
ثم أضاف بعدها " إذ يجب على الحكام ا يمارسوا سلطاتهم من خلال الاتفاق في الرأي وليس عن طريق الإكراه , ويجب على الحكام أن يحترموا حقوق الأقليات , وأن يعطوا مصالح الشعب الأولوية على مصالح الحزب الذي ينتمون إليه " ـ
إشارات رغم قلتها إلا إنها مهمة على أية حال
الإنسان أسير الإحسان
لم ينس اوباما مد يد الإحسان والصدقة للشعب المصري وكسب تعاطفه بالمادة أيضاً فأسهب في الحديث عن العلاقات والمساعدات الاقتصادية لمصر في مجالات التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية والتكنولوجيا وقال باللفظ " سوف نتوسع فى برامج تبادل المنح الدراسية " , " سوف نستحدث هيئة جديدة لرجال الأعمال " , " سوف نؤسس صندوقاً مالياً لدعم التطور التكنولوجي " , " سوف نسعى لتعزيز الشراكة في مواجهة مرض شلل الأطفال " ـ
الواقع واقع بالفعل
وعلى الذين ينتظرون ماذا سيفعل اوباما في المستقبل , فاننى أسوق إليهم ما يفعله اوباما في الحاضر .. مستمر في تدمير مستقبل العراق عبر احتلاله والسيطرة على ثروته النفطية , ويدير حرباً بالوكالة في باكستان نتج عنها تشريد مليون ونصف مسلم , وجدد العقوبات على سوريا وإيران و يمارس تضييقاً طائفياً ضد المسلمين في أمريكا ذكر منها الأستاذ هويدى في مقاله الشهير ( نثق فى نيته ونشكك فى قدرته ) أمثلة كثيرة منها ما قاله " أكبر مؤسسة خيرية إسلامية «الأرض المقدسة» تعرضت لقمع بالغ القسوة فى عهد الرئيس أوباما، بعدما اتهمت ظلما وزورا بتمويل الإرهاب. فقد ثبت للقضاء أن التبرعات التى جمعتها المؤسسة من الولايات المتحدة سلمت إلى لجان الزكاة فى الأرض المحتلة، لتساعد بها الأرامل والأيتام والعجزة، ولكن بسبب وشاية لا دليل عليها ادعت أن تلك اللجان تابعة لحركة حماس «الإرهابية»، تم إلقاء خمسة من المسئولين عن المؤسسة فى السجون، إذ حكم على اثنين منهم كل واحد بالسجن 65 عاما «أحدهما عمره 55 سنة»، فى حين حكم على الباقين بالسجن ما بين 15 و20 سنة " ـ
وأضاف " شابا لبنانيا فى نورث كارولينا ألقى القبض عليه بتهمة تهريب السجائر، ولكن المباحث الفيدرالية اتهمته بمساعدة حزب الله «بمبلغ 3000 دولار»، وحكمت عليه بالسجن 75 عاما. وما حدث مع الدكتور سامي العريان أستاذ الجامعة فى ولاية فلوريدا، الذى سجن منذ 6 سنوات بتهمة تأييد حركة الجهاد الإسلامي، فشكل نموذجا آخر للإصرار على الاضطهاد والتنكيل. ذلك أن الرجل تمت تبرئته من كل ما نسب إليه، ولكن أحد المدعين الصهاينة أراد منه أن يشهد لإدانة مسلمين آخرين. وحين رفض وجه إليه تهمة الازدراء بالعدالة، التى تصل عقوبتها إلى السجن عشرين سنة. والشاب المصري الأصل يوسف مجاهد، الذى لفقت له ظلما تهمة حيازة متفجرات وأمضى عاما فى السجن ثم تمت تبرئته. وبعد ثلاثة أيام من إطلاق سراحه، أعادت المباحث الفيدرالية اعتقاله فى تهمة جديدة أريد بها طرده من الولايات المتحدة " ـ
أخيراً أختم بما ختم به الأستاذ هويدى " ان كل الكلام الطيب الذي يردده أوباما فى دعوته لإقامة علاقات إيجابية مع المسلمين يتبخر مفعوله حينما يتناقل المسلمون أخبار ما يلقاه إخوانهم من قهر وظلم في الولايات المتحدة. إننا نريد أن نصدقه، ولكن عليه أن يساعدنا فى ذلك " ـ
هناك تعليق واحد:
ايوة بلفعل كما كتبت انت فالظاهر انة يحب الاسلام والمسلمين
ولكن يخفى وراءة الكثير من الغموض
وفى الباطن انة يكمن للاسلام الكرة الشديد
فى النهاية
حسبنا الله ونعم الوكيل فى حكامنا الذين يستضفون مثل هذة الشخصية...
إرسال تعليق