بقلم : م/ محمد الحمداوى - المغرب
بعد ما تناولنا في الأسبوع الماضي كلا من ثنائية المبدئية والواقعية وثنائية الكم والكيف نتناول اليوم ثنائية التأثير والتأثر، وهي ثنائية تواجه كل من ينفتح على المجتمع حيث يجد نفسه بين إيجابية العمل في ظل الواقع بهدف تغييره وإصلاحه ، وبين محذور الذوبان فيه والتطبيع معه والاستسلام له، وذلك بحكم العلاقة التفاعلية مع المحيط، والتي تؤثر في الاتجاهين، فكما أن الواقع أو المحيط يتأثر بالفاعلين فيه، فإن هؤلاء الفاعلين بدورهم واقعون لا محالة تحت تأثيره، لأنهم يعملون في ظروفه ، وتحت سقفه ، وفي ظل شروطه ـ
بعد ما تناولنا في الأسبوع الماضي كلا من ثنائية المبدئية والواقعية وثنائية الكم والكيف نتناول اليوم ثنائية التأثير والتأثر، وهي ثنائية تواجه كل من ينفتح على المجتمع حيث يجد نفسه بين إيجابية العمل في ظل الواقع بهدف تغييره وإصلاحه ، وبين محذور الذوبان فيه والتطبيع معه والاستسلام له، وذلك بحكم العلاقة التفاعلية مع المحيط، والتي تؤثر في الاتجاهين، فكما أن الواقع أو المحيط يتأثر بالفاعلين فيه، فإن هؤلاء الفاعلين بدورهم واقعون لا محالة تحت تأثيره، لأنهم يعملون في ظروفه ، وتحت سقفه ، وفي ظل شروطه ـ
ومن ثم فالتأثير والتأثر حاصل لا محالة ، والمفاضلة يجب أن تنصب حول طبيعة التكيف والتنزيل هل هو إرادي وقاصد أم فقط استسلامي وعاجز .. لذا وجب الانتباه والحذر من التكيف الاستسلامي الذي ينتهي بفقدان البوصلة ، والسقوط أمام امتحانات الضغوط والإكراهات والإغراءات، و التحول عن الأهداف المسطرة والمتمثلة في تغيير الواقع وإصلاح المجتمع ومقاومة الفساد ، إلى القبول بهذا الواقع والذوبان فيه والاستسلام لشروطه والتطبيع معه، من خلال العمل بأدواته، والممارسة بأساليبه، والسكوت على فساده ـ
فإذا أصبح أبناء الحركة الإسلامية في الجامعة أو في الحزب السياسي أو في النقابة العمالية أو غيرها من واجهات العمل والدعوة يقبلون ويطبعون مع الممارسات الخاطئة التي يجدونها سائدة في هاته المجالات ، وإذا لم يحافظوا على رساليتهم وعلى مصداقيتهم وشفافيتهم ونزاهتهم، فإننا لن نجد لذلك وصفا إلا أنها هزيمة في معركة الإصلاح ، ورسوب في امتحان الانفتاح والمخالطة .. لذا وجب الإعداد والاستعداد لذلك قبل الإقدام على هذه الأعمال وأثناءها وبعدها ، سواء من الناحية النفسية والتربوية ، أومن خلال توقع التعرض للإكراهات والإغراءات، وتوقع احتمالات السقوط في الأخطاء أو الانحرافات، ومن ثَمَّ العمل على اتخاذ الإجراءات الوقائية والاستباقية الكفيلة بحماية الأفراد والتنظيم منها، مع الحرص على اصطحاب البعد التربوي والدعوي، على طول المسيرة وفي كل المستويات، والحرص على المتابعة والمصاحبة لمعالجة الأعراض الجانبية في حال وقوعها، ووضع المساطر الكفيلة بتقويمها ـ
إلا أن هذا الاحتياط من الاستسلام للواقع وهذا الحذر من الذوبان فيه، لا ينبغي أن يتحول إلى حاجز نفسي يمنع أي إمكانية للتفكير العقلاني، وموازنة الأمور وتقدير نتائجها ومآلاتها ، ولا أن يقف عائقا أمام التعاطي بالحكمة والمرونة المطلوبة مع الواقع، ولا أن يصبح ذريعة للتصلب والجمود والتحجر على آراء أو اجتهادات أو مواقف بعينها ولو تبين أنها مرجوحة، بحجة عدم الاستسلام للواقع وعدم الرضوخ له، ولا أن يتحول إلى هاجس يعيق عملية التكيف المطلوبة مع الواقع بشكلها الإرادي ـ
ولتقريب الصورة نسوق مثال ذلك البائع الذي ذهب للسوق وشغله الشاغل هو كيفية النجاة من حيل المحتالين، بعد أن أوهمه أحدهم أن علامة المحتالين تتجلى في تكرار السؤال عن الثمن قبل السؤال عن البضاعة ، وأصبح كلما سأله مشتر عن ثمن السلعة، يرفض التعامل معه خشية أن يكون السائل محتالا، وهكذا قضى اليوم كله حذرا فطنا رافضا للاستسلام، بل فرحا بمستوى يقظته ناسيا أن الشاطر في السوق هو الذي يسعى لبيع أكبر قسط من سلعته في مراعاة لواقع هذا السوق وإمكانيات الربح فيه ـ
فإذا أصبح أبناء الحركة الإسلامية في الجامعة أو في الحزب السياسي أو في النقابة العمالية أو غيرها من واجهات العمل والدعوة يقبلون ويطبعون مع الممارسات الخاطئة التي يجدونها سائدة في هاته المجالات ، وإذا لم يحافظوا على رساليتهم وعلى مصداقيتهم وشفافيتهم ونزاهتهم، فإننا لن نجد لذلك وصفا إلا أنها هزيمة في معركة الإصلاح ، ورسوب في امتحان الانفتاح والمخالطة .. لذا وجب الإعداد والاستعداد لذلك قبل الإقدام على هذه الأعمال وأثناءها وبعدها ، سواء من الناحية النفسية والتربوية ، أومن خلال توقع التعرض للإكراهات والإغراءات، وتوقع احتمالات السقوط في الأخطاء أو الانحرافات، ومن ثَمَّ العمل على اتخاذ الإجراءات الوقائية والاستباقية الكفيلة بحماية الأفراد والتنظيم منها، مع الحرص على اصطحاب البعد التربوي والدعوي، على طول المسيرة وفي كل المستويات، والحرص على المتابعة والمصاحبة لمعالجة الأعراض الجانبية في حال وقوعها، ووضع المساطر الكفيلة بتقويمها ـ
إلا أن هذا الاحتياط من الاستسلام للواقع وهذا الحذر من الذوبان فيه، لا ينبغي أن يتحول إلى حاجز نفسي يمنع أي إمكانية للتفكير العقلاني، وموازنة الأمور وتقدير نتائجها ومآلاتها ، ولا أن يقف عائقا أمام التعاطي بالحكمة والمرونة المطلوبة مع الواقع، ولا أن يصبح ذريعة للتصلب والجمود والتحجر على آراء أو اجتهادات أو مواقف بعينها ولو تبين أنها مرجوحة، بحجة عدم الاستسلام للواقع وعدم الرضوخ له، ولا أن يتحول إلى هاجس يعيق عملية التكيف المطلوبة مع الواقع بشكلها الإرادي ـ
ولتقريب الصورة نسوق مثال ذلك البائع الذي ذهب للسوق وشغله الشاغل هو كيفية النجاة من حيل المحتالين، بعد أن أوهمه أحدهم أن علامة المحتالين تتجلى في تكرار السؤال عن الثمن قبل السؤال عن البضاعة ، وأصبح كلما سأله مشتر عن ثمن السلعة، يرفض التعامل معه خشية أن يكون السائل محتالا، وهكذا قضى اليوم كله حذرا فطنا رافضا للاستسلام، بل فرحا بمستوى يقظته ناسيا أن الشاطر في السوق هو الذي يسعى لبيع أكبر قسط من سلعته في مراعاة لواقع هذا السوق وإمكانيات الربح فيه ـ
فالفاعل المتبصر ينظر بعيدا ، ويدرس واقعه ، ويتعرف على الوسط الذي يتحرك فيه ، ويُقَدر بعد ذلك عواقب الأمور ونتائجها ومآلاتها، ويحدد بالضبط من أين يبدأ وأين يجب أن يقف، وكيف يرتب أولوياته وإستراتيجية تَحرُّكِهِ، فلا يتحرك بعشوائية متهورة في حقل يجهله، قد يكون مليئا بالألغام، ولا يدخل في معركة يعلم مسبقا أنها خاسرة، ولا يفوت فرصة يراها سانحة، ولا يستعجلُ أمراً قبلَ أنْ تنضجَ شروطُهُ، ولا يتأخرُ عن أمر قد حان وقتُهُ، فتكون بذلك جل خطواته محسوبة، فلا يكون صلبا حتى يُكْسر ولا لَيِّناً حتى يُعْصر، بل عليه أن يتعرف جيدا على المعادلة، وعلى طرق حلها، ولا يتأتى ذلك إلا بناء على دراسة متبصرة لحجم الفرص المتاحة، وحجم التحديات والإكراهات، وحجم الإمكانات والقدرات الذاتية، ثم موازنة الأمور ودراسة المآلات والنتائج، وأخيرا اتخاذ الموقف المناسب في إطار البدائل الممكنة والخيارات المتاحة.. ذلك إذا هو التكيف الإرادي القاصد ، الذي يُبنَي على رؤية متبصرة، حتى إذا ما دعته الضرورة لبعض الاختيارات المفضولة، لا يكون الأمر عشوائيا ولا مجانيا ولا متسرعا تحت الضغط والإكراه، بل يكون ضمن استراتيجية واضحة ومدروسة . وإذا أقدم على أمر أو أحجم عن آخر، لا يفعل ذلك بشكل استسلامي ، بل يكون ذلك بناء على وعي تام به وبمكانته وترتيبه في خارطة الطريق التي رسمها أو الأولويات والأهداف التي سطرها ـ
هناك ٥ تعليقات:
الموضوع كبير ومهم
عايز قعده لقرايته
لنا عوده ان شاء الله
لازم تقراه يا حسام أكيد .. خاصة وانت فاضى اليومين دول ( بعد الغروب ) ـ
لم اقرا الموضوع كاملا ولكن الموضوع
مهم جدا وخاصةللعاملين بمجال الدعوة
"المؤمن الذي يخالط الناس ولا يختلط بهم مع الحفاظ على هويته خير........"
موضوع جميل نحتاج أن ندرس كل كلمة فيه لكى نحل الكثير من المشكلات التى تقابلنا جزاك الله خيرا....أبو خيرى
الموضوع مهم لكل داعية
الموضوع جميل
لكن طويل شوية
إرسال تعليق